Waalamat

مراجعة رواية “وَعَلاماتٍ” للكاتبة مزنة كمال

العلاماتُ رسائل تأتينا بتوقيتٍ لا نتوقعه. قد نقرأ جملةً في دفترٍ لا نعرف صاحبه، أو نسمع نصيحةً لم تكن موجّهةً إلينا بالأساس، أو نتعثّر بشخصٍ غنيٍّ بنفعه لم نلقِ له بالاً!

بسلاسةٍ وبلغةٍ جميلة تقدّم لنا الكاتبة الشخصيّة الأساسية في الرواية وهي الفتاة “مريم” ذات الأربعة عشر عاماً، فتبني لنا تصوّراً واضحاً لعائلتها ومدرستها ومحيطها، لتنقلنا بعدها وبإسلوبٍ شائق إلى الغرفة التي كان يجمع فيها والد “مريم” بضاعته التي يبيعها في بسطته، هناك حيث ستبدأ المغامرة! إذ عثرت “مريم” على قطعةٍ معدنيةٍ لفتت انتباهها، وحين رآها والدها قدّر بأنّ هذه القطعة إنّما هي جزءٌ من آلةٍ قديمة، وقرر البحث مع “مريم” عن باقي الأجزاء المفقودة، ليجد القارئ نفسه مدفوعاً بفضولٍ للتفكير معهما، فيحاول قراءة النصوص المكتوبة بحروفٍ غير منقوطة، ويتأمّل الآية الكريمة بكلماتها ومدلولاتها القريبة والبعيدة، ويستنبط الحلول مع “مريم” ووالداها في رحلتيهما إلى جامعي الإشبيلي والزيتونة.

لم تتمركز المشاهد في تلك الأماكن فحسب، بل أتت مشاهد المدرسة لتعرض تطور شخصية “مريم” وجوانبها الأساسية. فنرى معاناة “مريم” مع مشكلة التنمر وعجزها عن الدفاع عن نفسها أمام سخرية واستهزاء بعض الطالبات، ونسمعها وهي تتذمّر من الواجبات الصعبة التي تكلّفها بها معلمة الجغرافيا دوناً عن بقية الطالبات.

تمرّ بعدها عدّة أسابيع، ومع كلّ تقدّمٍ تحرزه “مريم” في حلّ اللغز، كانت في المقابل تهتدي إلى سلامها وتتنبّه لصفاتٍ وسِماتٍ تتحلّى بها ولا تعرها انتباهاً. ففي لحظةٍ صفاء تدرك “مريم” السبب وراء تمييز المعلمة لها وتوكيلها بمهامٍ ضخمة، فتقرّ “مريم” بسعادةٍ قائلةً: “أنا أمتلك موهبةً في تحديد الاتجاهات”. كما تأتي مبادرة “مريم” لإصلاح بسطة والدها علامةً على تصالحها مع مهنته كبائعٍ متجوّل. وبعد سلسلةٍ من الأحداث، تنجح “مريم” ووالدها بتجميع القطع المتفرقة وتركيبها معاً، لتتعرّف بذلك على آلة “الأسطرلاب” وتتعلّم بعضاً من خصائصها وتطبيقاتها وآلية استخدامها.

تأتي الخاتمة لتسرد فيها “مريم” مشاعرها مجدداً، لكن بحالٍ معاكسةٍ لما جاءت به مقدّمتها، رغم أنّ شيئاً لن يتغير في عائلتها أو شكلها أو محيطها! إلا أنّ طريقة تفكيرها وتحلليها للأمور أخذت منحىً أكثر عمقاً ونضجاً، منحىً جعل قلبها يمتلئ بالرضا والسلام عوضاً عن السخط والكدر.

الرواية سلسة وممتعة ومناسبة لليافعين، ورغم أنّ أحداثها تدور في رحاب مدينة تونس العتيقة على مدار شهرين فقط، إلا أنّها تمتدّ تاريخيّاً لألف عامٍ بين حلب وتونس، وفلكيّاً إلى ما وراء الشمس والنجوم! ولعلّ من يقرؤها سيترقّب صدور الجزء التالي من السلسلة وهو يتساءل: يا تُرى أين ستقع الأحداث؟ وفي أيّ حقبة؟ من سيكون البطل؟ هل سيبحثُ عن آلةٍ جديدة؟ أم سينقّب عن فكرةٍ قيّمة؟ أو لربما سيقابل شخصيّةً جليلة؟

من يدري؟!

وحتّى ذلك الحين، ها نحن ننتظر بشوقٍ، إذ إنّها البداية فحسب.

سألتها: “لكن من أين أبدأ يا خالتي؟”، فأجابتني: “ابدئي حيث البدايات دائمًا، فالبدايةُ تقود إلى أختِها، إذا عرفت البداية عرفت ما يليها”.


 

بقلم: سحر خواتمي

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top