رواية “صاحب الظلّ الطويل”، هي رواية صدرت عام 1912 لجين وبستر، وتدور القصة حول فتاةٍ تُدعى جيروشا أبوت –جودي كما تحبّ أن تسمّي نفسها- تربّت وعاشت في ميتمٍ إلى أن أتى ذلك اليوم، حين أُعجب أحد أوصياء الميتم بمقالٍ كتبته جودي، فقرر أن يتكفّل بها ويدعمها لاستكمال دراستها الجامعيّة. لم يطلعها الوصيّ على اسمه، واكتفى باسم جون سميث، كما لم يقابلها، إلا أنّ جودي لمحت ظلّه وهو يغادر الميتم، فاختارت أن تسمّيه: صاحب الظلّ الطويل.
كان طلب السيد سميث الوحيد أن تكتب له جودي بانتظامٍ، فتخبره عن تقدّمها ويومياتها، ويطّلع بذلك على تطور مهاراتها الكتابيّة.
وبالفعل تغادر جودي الميتم، وتواجه العالم للمرّة الأولى، فتحاول جاهدةً ألا تثير الشكوك حول ماضيها، الذي ارتأت أن تخفيه، فتعيش جودي تجارب جديدةً ومثيرةً، وتتوطد علاقتها مع زميلَتيها: سالي وجوليا.
تبدأ جودي بعدها باكتشاف الحياة خارج السكن الجامعي على نطاقٍ أوسع. وذات يوم تقابلُ السيد جيرفس بندلتون في السكن الجامعي، والذي جاء لزيارة ابنة أخيه جوليا، تتكرر زياراته وتنشأ بين جودي وجيرفس صداقة لطيفة، ومع الوقت تدرك بأنّها تحمل لجيرفس مشاعر خاصّة، وأنّه يبادلها الشعور ذاته.
مع اقتراب التخرّج، تشعر جودي بأنّ أوامر السيد سميث باتت متضاربةً مع طموحاتها ومشاعرها، وبأنّها عاجزة عن الموازنة بين ولائها للسيد سميث، ورغبتها بالاستقلال والاعتماد على نفسها ماديّاً، فتبدأ بالتذمّر، فنراها تتقلّب بين الغضب والحزن، والتمرّد والندم.
الرواية غنيّة بالمشاعر الوجدانية المؤثّرة، وأتت تفاصيلها شائقة ومُبهجة بفضل روح جودي المرحة ونظرتها المتفائلة في الحياة. أمّا عن أسلوب الرسائل فقد ناسب القصّةَ، إذ عكس بدقّة شعور جودي وهي ترسل الرسالة تلو الأخرى دون أن تتلقى أيّ رد، فتمضي الأيام ويزداد فضولها وفضول القارئ معها حول معرفة: من يكون صاحب الظلّ الطويل!!
تتشابك الأحداث، وبعد التخرج يعرض جيرفس الزواج على جودي فتقع في حيرةٍ من أمرها، فهي لا تقوى على مصارحته بماضيها.
ماذا ستفعل؟ هل ستوافق؟ وماذا عن التفاوت الاجتماعيّ بينهما؟
تأتي الخاتمة مجيبةً على تلك الأسئلة، برسالةٍ من جودي إلى صاحب الظلّ الطويل.
مقارنة بين تجربة قراءة الرّواية ومشاهدة الأنمي
من المعروف أنّ تجربتَي القراءة والمشاهدة غالباً ما تنطويان على انطباعاتٍ مختلفة، سيما إن سبقت القراءةُ المشاهدة، إذ يشكّل القارئ في مخيلته الأحداث، والشخصيات، والأماكن، ثمّ وحين يشاهد الأنمي ولا تنطبق تلك الصور على الشكل الذي يقدّمه الأنمي، قد يشعر بخيبة أمل.
وفي حالتي: أتت المشاهدة أولاً ومن ثمّ القراءة، فحصل الأنمي على الانطباع الأقوى، وظلّ راسخاً في مخيلتي، فبقيت جودي هي جودي التي ظهرت في الأنمي، وجيرفس هو ذاته، كذلك الأمر مع سالي وجوليا، لذا أتت الرسائل في الرواية داعمةً للانطباعات السابقة، بل وبتركيزٍ أعلى على الحالة الوجدانية لجودي.
تجلّى الفارق الأساسي بين الأنمي والرواية في سرعة أحداث الرّواية، إذ كانت مبنيةً على رسائل جودي فقط، أمّا في الأنمي أتت التفاصيل أغنى وأوفر، نظراً لتواجد الحوار، والمشاهد المدعومة بالرسائل التي كانت تكتبها جودي، فنسمعها بصوتها أثناء الكتابة.
مراجعة الرسالة الأخيرة في الرّواية
بالرغم من أنّ رسائل جودي في الرواية كانت غنيّةً ومؤثرة وشائقة، إلا أنّ الرسالة الأخيرة جاءت باردة جدّاً، وبقالبٍ لا يتلائم مع الحالة، ولا مع لحظة الختام. برأيي المتواضع، كان بإمكان الكاتبة أن تبدع أكثر في هذه الرسالة على وجه الخصوص. وللأسف كلما عاودتُ قراءة تلك الرسالة، شعرتُ بخيبة أمل. وكما هو متوقّع، لم يهنأ لي بال إلا بعد أن أعدتُ كتابة الرسالة الأخيرة بطريقتي الخاصّة، أعلم أنّني لا أملك الحقّ لفعل ذلك، لكن قد يشفع لي شبهي بشخصيّة جودي –كما تدّعي صديقاتي- أن أتقمّص شخصيّتها ولو برسالة!
بقلم: سحر خواتمي
لوك ويلو
السابع من أوكتوبر
عزيزي يا صاحب الظلّ الطويل،
يبدو الأمر غريباً، أن أراسلك مجدداً بعد الذي حدث، لكنّي أرغب بأن أودّعك بشكلٍ لائق، فكما تعلم لم يمضِ لقاؤنا الأوّل على النحو الذي رسمته في مخيلتي أبداً، لذا ارتأيتُ أن أرسل كلمات الوداع عبر رسالة، لتكون خاتمةً ملائمةً لعلاقة وصيٍّ بالفتاة التي تكفّل بها.
لا أعلم لِم ظننتُ أنّي بلقائك سأقابل أباً، أباً يحتويني ويغمرني بحنانٍ كما يغمر الآباء أبناءهم، فذاك الشعور -وكما تعلم- لم أجرّبه في حياتي. اعتقدتُ أن أسمع منك كلماتٍ تقوّي بها عزيمتي، وتشعرني بأنّك لم تندم على قرار دعمك لي، فتقول لي بوقارٍ: “أحسنتِ يا ابنتي، أنا فخورٌ بك!”
لكن لم يحدّث أيٌّ من ذلك! ليتلاشى بذلك المشهد الذي حلمت به، وتنهار أمامي الصورة التي تخيّلتها، فتقع كبرجٍ مرتفع، برجٍ بنيته لبنة لبنة، بتفاصيل وملامح لا تطابق الواقع بتاتاً.
لكن مهلاً! إن وضع أحدنا آمالاً في أمرٍ ما، ومن ثمّ تكسّرت جميعها، هل بالضرورة أن يندرج ذلك تحت مسمّى: “خيبة الأمل”؟!
أتعلم؟! حينما التقيتك البارحة، راودتني أسئلةٌ عديدة، لكنّي امتنعت عن طرحها بسبب حالتك الصحيّة، فلم أشعر بأنّ الوقت مناسب. وحتى لو التقينا مجدداً، لا أعتقد بأنّي سأطرح عليك أيّاً منها، لذا اسمح لي بأن أسردهم في رسالتي الأخيرة هذه بصدقٍ وشفافية، تماماً كما اعتدت في سنواتي السابقة، أن أسألك وأسألك دون تحفظٍ أو تردد، دون كللٍ أو ملل، ودعني أحكي لك عمّا عجزت عن قوله حين رأيتك وجهاً لوجه، لعلّ روحي تهدأ وتسكن بعض الشيء.
عزيزي هلّا أجبتني، وقلت لي: أي اضطرابٍ أحدثته في عالمي؟! اشرح لي، فأنا عاجزة عن الفهم!
كيف تكون حاضراً وغائباً في آنٍ معاً؟
أخبرني، قل لي أرجوك، فأنا مشوشة، وفقدت قدرتي على ربط الأحداث والكلمات والمشاعر.
كيف تكون الشخص الذي يعطي، ويغدق، ويمنح، وفي الوقت ذاته، يسلب، ويحوز دون إذنٍ أو استئذان؟!
نعم، لقد سلبت قلبي، واستحوذت على مشاعري، ومع ذلك تظاهرتَ بأنّك تعطي دون مقابل، ولا تطالب سوى برسالةٍ كلّ شهر!
هذا ليس عدلاً، أليس كذلك؟
ثمّ أريد أن أعرف: لماذا أتيتَ إلى السكن الجامعي في بادئ الأمر؟ هل دفعك فضولك لرؤية تلك الفتاة المختلفة عمّا اعتدت عليه؟ تلك التي ترسل رسائل عفوية ولا تكفّ عن الثرثرة، أم أنّك رغبت بالنظر عن كثب، لتتأكّد بأنّ قرارك بدعم تلك الفتاة كان صائباً، وبأنّك لا تضيّع مالك هدراً؟
أخبرني بدّقة أرجوك: متى تحوّلت مشاعرك؟ ومتى بدأت تدركها؟
قل لي وفكّر مليّاً وأجبني: من أين أتت الشرارة الأولى لذاك التحوّل: أهي رسائل جودي؟ أم جودي نفسها التي قابلتها وتعاملت معها وجهاً لوجه؟ أجبني ولا تقلق، إذ لا يوجد خيارٌ أطمح إليه أكثر من الآخر، إلا أنّني أتطلّع لمعرفة أسبابك، سيّما إن كانت مختلفة عمّا اقترحته لك.
تتوالد الآن ببالي أسئلة أكثر وأكثر، وأجد نفسي عاجزةً عن ملاحقتها وتدوينها، وقلبي يخفق ويأبى أن يستقر، فتارةً أذكر لهفتي نحو معرفة من هو صاحب الظلّ الطويل، وتارةً يغشاني الألم والحزن مما أصابك من وهنٍ ومرض ومما تعانيه الآن، وتارةً أذكر لحظة لقائنا …
أرأيت؟! لقد توقفت عن الكتابة لبضع دقائق، لا أستطيع تذكّر تلك اللحظة بسهولة جيرفس، يغلي الدم في وجنتيّ، وتتسارع نبضات قلبي بشكلٍ مخيف، فأشعر بحماسٍ ممزوج بحبٍّ لا يمكن وصفه…
أخبرني جيرفي: كيف أعجز عن الوصف وأنا أدّعي بأنّي كاتبة؟ كيف يعبّر الناس عن مشاعرهم؟ هل أنا مبتدئة إلى هذا الحدّ ولا أملك الأدوات والتقنيات الكافيّة للتعبير عمّا في داخلي؟ لكن دعنا نحكم بإنصاف، لا بدّ وأن ألتمس العذر لنفسي، فما واجهته البارحة ليس بالأمر الهيّن، ألا توافقني الرأي يا عزيزي؟
أشعر بأنّ أفكاري لم تعد مترابطة، ويجب عليّ التوقف عند هذا الحدّ، اعتنِ بنفسك، واشفَ بسرعة، فأمامنا الكثير، وأنا لم يعد لديّ طاقة للصبر أو الانتظار، سأزورك قريباً حالما يسمح الطبيب بذلك، وحتّى ذلك الحين، فكّر بأجوبةٍ لأسئلتي، فأنا لن أتسامح معك أبداً بعد اليوم.
المخلصة لكَ بحبٍّ يفوق الوصف،
جودي
ملاحظة: سأتصل بكَ بعد قليلٍ من مكتب البريد، أرجوك لا تكن نائماً، لا يمكن أن أعود إلى المنزل قبل سماع صوتك والاطمئنان عليك، ولا أعتقد أنّ موظّف البريد سيسعد بوقوفي أمامه طيلة اليوم.