طوابق

في مدخل المبنى الكبير في مركز المدينة، استقلّت السيدة نجاة المصعد وطلبت الطابق العاشر، هناك حيث عيادة الطبيب، وقبل أن يغلق المصعد بابه دخلت سمية المصعد وألقت السلام، فردّت السيدة نجاة بلطفٍ، بينما ظلّ الرجل الواقف بجانب السيدة نجاة صامتاً. طلبت سمية الطابق العشرين، وبدأت رحلة الصعود. تحرّك المصعد قرابة الخمس طوابق وبعدها أصدر صوتاً غريباً وتوقّف في مكانه! بدا القلق جليّاً على وجه السيدة نجاة، فحاولت سمية طمأنتها، وقالت:

  • لا بد وأنّه عطلٌ بسيط، لا تقلقي يا خالة.

ردّت السيدة نجاة:

  • وهل سننتظر طويلاً هنا؟

أجابتها سميّة:

  • دعيني أتواصل مع الموظف المسؤول وأعلمه بما حصل معنا.

وبالفعل، تواصلت سميّة مع الموظف من خلال لوحة المصعد وأخبرته بما حدث، ليردّ الموظّف بدوره ويخبرها بأنّه سيرسل طاقماً لحلّ المشكلة بأسرع ما يمكن. وبعد انتظار خمس دقائق، قالت السيدة نجاة:

  • أرجو ألا يتأخروا، لديّ موعدٌ عند الطبيب.

أجابتها سميّة:

  • سيصلون قريباً، لا عليكِ.
  • أتعتقدين ذلك بالفعل؟
  • نعم، هم لا يتأخرون بالعادة.
  • هل يتعطّل هذا المصعد بشكلٍ متكرر؟
  • لا أعلم، فهذه المرّة الأولى التي أتواجد فيها هنا.
  • آه فهمت. لم أنتِ لوحدك يا بنيتي؟ قد تحدث أمور خطيرة، أترين؟ ها نحن عالقون في المصعد ولا ندري متى سنخرج!

ابتسمت سمية، فأكملت السيدة نجاة أسئلتها:

  • هل لديكِ موعدٌ عند الطبيب؟
  • لا، أتيت قاصدةً محل الزينة. تعلمين هذا المبنى كبير، وهناك محالٌ تجاريّة في الطابق العشرين.
  • آه جميل، وهل الزينة لحفلة خطوبتك؟

ضحكت الفتاة ثمّ أجابتها:

  • لا أزال صغيرةً على الارتباط، وأحتاج الزينة لحفلة عيد ميلادي في الأسبوع القادم.
  • أتمنى لك عاماً سعيداً يا…
  • اسمي سمية.
  • اسمٌ جميل، وأنا اسمي نجاة، وينادونني أم عزمي.

ابتسمت الفتاة، ثمّ ساد الصمت، وبعد مرور ربع ساعة، قالت السيدة نجاة للفتاة:

  • هلّا اتصلتِ بوالدك، كي يطلب المساعدة من أناسٍ آخرين، يبدو ألا فائدة من هذا الطاقم.
  • بودي لو ألبّي طلبك يا خالة، لكنّي لا أعرف رقم والدي للأسف.
  • أوه آسفة يا بنيتي، أهو مسافر؟
  • في الحقيقة لا أعلم.

نظرت السيدة نجاة باستغرابٍ نحو الفتاة، كما لو أنّها تحتاج لتوضيحٍ أكثر، لكن في تلك اللحظة تحرّك المصعد، وأكمل طريقه. وعند الطابق السابع توقّف المصعد فخرج الرجل الذي يقف بجانب السيدة نجاة، بينما أكملت السيدة والفتاة طريقهما نحو الطوابق العليا.

توجّه الرجل نحو مكتبٍ للمحاماة في ذلك الطابق، طرق الباب ودخل بعد أن نزع السماعة التي كانت على أذنه، ثمّ سأل السكرتيرة:

  • هل الأستاذ فاروق في الداخل، لديّ موعد معه؟
  • نعم هو بالداخل ينتظرك منذ نصف ساعة، لعلّك كنت عالقاً في المصعد الذي تعطّل؟
  • أكانت نصف ساعةٍ حقاً؟ ظننتها بضع دقائقٍ فحسب، يبدو أنّ نشرة الأخبار شغلتني فلم أشعر بالوقت.
  • لا عليك، تفضّل إلى المكتب، فالأستاذ فاروق بانتظارك.

دخل الرجل، وبعدما ألقى السلام فتح حقيبته وأخرج منها أوراقاً. استلمها الأستاذ فاروق ثمّ قال:

  • بعد أسبوعٍ من الآن، ستصبح ابنتك في سنٍّ قانونية، ويحقّ لها أن تراكَ وتقابلكَ متى شاءت.

ابتسم الرجل ابتسامةً حزينة، فقال له السيد فاروق:

  • سيلتمّ شملك قريباً مع ابنتك، ويوماً ما ستعثر على والدتك، أنا متأكدٌ من ذلك يا سيد عزمي!



______________________________________________

بقلم: سحر خواتمي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top